هكذا سقطت الحروف الأربعة وبقيت 24

بينما كان الطفل ينظر ببراءة إلى والده المتسلط والعبودي, كان الأب قد رمى الدفتر والقلم على الطاولة ذات الألوان الطفولية البريئة, وبدت علائم الخوف ترتسم على وجه الطفل, وبصوت غليظ قال الأب لولده:

اليوم سنتعلم حروف اللغة, وعليك أن تتقنها وتبصمها كاسمك, وعليك أن تتعلمها مني فقط ولا تسأل غيري عنها.

 أومأ الطفل رأسه موافقاً خائفاً, وبدأ الأب بكتابة الأحرف, ألف, باء………إلخ وبعد أن انتهى الأب من كتابة الأحرف, بدا مزهواً بنفسه, فلا كلمة في المنزل سوى كلمته, ولا رأي في المنزل إلا رأيه, فهو المثقف والعالم والعارف بالدين, وهو الأول والأخر في المنزل وهو رب البيت ومالكه, وبإمكانه أن يحبس أفراد العائلة كلٌ في غرفته متى شاء ولأي سبب دون أن يجرأ أحد على السؤال لماذا.

وهكذا وبعد أن نظر الأب إلى ولده المسحوق, رأه ينظر إليه نظرة لا تمتلئ إلا بالخوف, عقد الأب حاجبيه وصرخ بوجه ولده قائلاً: لماذا تنظر إليّ بهذا الشكل, تلعثم الولد وبدت الحروف تخرج من فمه مختلطتاً مع بعضها دون أن تشكل معنى, ثم جمع الولد أشلاء جرأته وقال لوالده أن المعلمة في المدرسة قالت بأن عدد حروف اللغة هي 28 لماذا هنا هي أربع وعشرين, تفاجأ الأب بسؤال ابنه, وأدرك أن ابنه ليس بحاجة لدرسه فهو يحفظ الحروف مسبقاً أكثر من اسمه, ولكن أصر الأب أن يظهر تفوقه على الجميع, وأجاب طفله بإسلوب يصطنع فيه اللطافة وقال له:

يابني الحروف كالبشر منها ما هو جيد ومنها ما هو سيء, منها ما هو محبب لدينا ومنها ما يجب أن ننساها, وأنا لأني احبك لا اعطيك إلى ما هو جيد ومفيد, صحيح أن هناك 28 حرفاً ولكن ليست جميعها جيدة, مثلا ً هناك حرف الحاء يجب أن نبتعد عنه, لأن حرف الحاء أحد حروف كلمة حرب والحرب بجميع أنواعها ليست جيدة ودائما في الحرب هناك خاسر, لذا علينا أن نكره وننسى هذا الحرف لأن من ورائه تولد المشكلات, وهناك حرف آخر وهو حرف الراء, وهذا الحرف هو أحد حروف كلمة رفض, وفجأة صرخ الأب بوجه ابنه وقال له, إياك أن ترفض, عليك أن تقول لي ّ نعم دائماً, حتى لوكانت الشمس ساطعة وقلت لك أن الليل حالك عليك أن تقول نعم, عليك دائما أن تهز رأسك موافقاً شئت أم أبيت, ولتنسى أن في اللغة كلمة “لا”, وانسى أيضاً أن هناك حرف الراء, وبعد ذلك تصنع الأب هدوءه وأعاد الحديث مع ولده الذي بلل َ نفسه دون أن يدري, وتابع الأب أما الحرف السيء الأخر فهو حرف الياء, وهذا الحرف أحد حروف كلمة يكفي, وأعاد الأب الصراخ مرة أخرى وقال لولده, لست أنت ولا أمك ولا أختك ولا حتى جيراننا لديكم الحق في قول كلمة يكفي, أنا أقرر متى يكفي ومتى لا يكفي, فأنا صاحب الكلمة العلياً وكل شيء يتم بأمري سواء قلت يكفي أم لم يكفي, فلتنسى هذا الحرف السيء, وأما الحرف الأخير الذي أخشى عليك منه هو حرف التاء بأشكاله المختلفة المبسوط والمربوط, وهذا الحرف هو أحد حروف كلمة ” تكلم”, وبقبضته الحديدية مسك الأب قميص ابنه وقال له: إياك أن تتكلم قبل أن اسمح لك, فأنا أحب الهدوء ولا أريد أي صوت يعلو على صوتي, فصوتي هو الأجمل والأرق, وصوتي فوق أصواتكم جميعاً, انظر كم يسبب لي هذا الحرف من الإزعاج وأنت بالطبع لأنك مطيع ولا تقول كلمة لا فلن تتكلم كي لا تزعجني, أليس كذلك؟

وبحركة لا إرادية أو الأصح أصبحت اعتنيادية, هز الولد برأسه موافقاً موهماً لنفسه أنه مقتنع بما قاله والده, وبجمل بريئة تفوه الطفل قائلاً: والدي, معلمتي شريرة وتعلمنا أشياء ليست جيدة, ثم حمل الطفل دفتره واتجه إلى غرفته وسطقت دمعة من عينه على دفتره الذي رسم عليه شمساً كبيرة ووردة في عمر النمو, أما الأب فأخذ يعدل من جلسته ليبدو متباهياً ثم ضغط زر مشغل الموسيقا و امتلئت أرجاء المنزل بأصوات موسيقا الملوك وأصحاب التيجان.

اضف تعليقك

8 thoughts on “هكذا سقطت الحروف الأربعة وبقيت 24

  1. لك قوية يا شريك ..
    والله قوية .. أول شي وأهم شي بدي قللك مبروك تحرر القلم بعد فترة الجفاء

    وتاني شي … بدي قللك … هالاب فظيع … كتير كان قاسي على ابنو ..
    بس بظن أنو ابنو صار كبير .. وصار قادر على عد الأحرف الـ 28 بلا تلكؤ او خوف ..
    بس يا صديقي .. طبعا مو بنفس اسلوب الاب .. والأخطر .. مايفكر أنو موت ورحيل الأب هوة الحل ..
    لا .. أكيد لأ ..

    لازم يوصل لمرحلة الوعي الكافية للحوار التحدث بكلام عقلاني … وغير هيك .. مستحيل يقدر يوصل الفكرة ..

    ووقتها .. رح تسقط جميع الحروف ..

  2. صديقي ميكو: شكرا لتشجيعك الدائم, ووجودك الغالي على قلبي كمان
    طبعاً الأب أكثر من فيظع, وبرأي اذا كان الأب على هذه الشاكلة فهو لا يستحق تسمية الأب لأن الولد هو محصول ما يزرعه الأب والأم فيه, أنا معك انو يكون في حوار بس بتتوقع شخص بهل الصفات هي غير قادر على الأقل يفهم شو معنى كلمة حوار, الحوار أكيييييد ضروري ولكن اذا لم يتعلم الولد الحوار من أبيه كيف له أن يحاور؟

    ما اتفق معك فيه انو الكلام العقلاني يتبعه تطبيق هو الحل بمثل هذه الحالات بس كمان لازم ندير بالنا من عقد قد تنشأ عند الولد اذا تفاقم الأمر

    أبو حميد نورت المدونة وسعيد جداً بوجودك:)

  3. تدوينة رائعة يجب أن يقرأها الحكام والشعوب
    ذكرتني تدوينتك بهده الحادثة
    قديماً في الجنوب
    كان يحكمنا حزب خبيث
    تداول الناس مقولة ملموسة في ذاك الوقت
    ((لا صوت يعلو فوق صوت الحزب))
    كان الناس يتخافتون بالأخبار التي قد تكون تافهة خوفاً من البامبو
    (البامبو) عصى مصنوعة من الخشب الأحمر
    ويا عيني على دلعها
    كان الأب يخاف من أبنائة والكل يخشى الوشاية
    حديثاً إثر حرب صيف 94 ما بين نظامي الحكم في اليمن
    بقي من الماضي رواسب عفنة
    لي جار كان قائداً في جيش الجنوب
    رجل نزية و طيب (نحسبه كذالك والله حسيبه)
    غدر به عناصر من الفرقة
    فأنقذته طباخة المعسكر التي كانت عين للقوات المعادية
    هذا لحسن معاملته مع الجميع
    على العموم فر هارباً واختفى شهران ـين
    عاد الى المنزل فتكتم الناس على أمره لطيبة الرجل واصالتة
    فقد انقذ أبنائهم من التعبئة الإجبارية
    على العموم
    في يوم كئيب اتت الأطقم العسكرية لتقتاد جارنا الى المعتقل
    وشى به أحد الجيران ممن كانوا يخدمون أنظمة الأمن البائدة
    هذا الخبيث جدد نشاطة لخدمة أجهزة النظام المنتصر
    هؤلاء برمجوا لخدمة النظام مهما تغير
    فقد فقدوا ذواتهم واصبحوا كبرامج الكمبيوتر التي لا تخرج عن نطاق ما برمجت لأجله
    فتلك الطباخة رغم أنها جاسوسة لم تستطع أن تقابل الإحسان إلا بالإحسان فنبهة الرجل قبل أن يصفى مع من صفوا
    وذاك الخبيث انتهك نجاة جاره فوشى به ..لست أفهم التركيبة التي غذي بها هؤلاء

    ________________________________________________

    من منظور أسري ومشاهدات كثيرة
    أجدك قد أثرت بتدوينتك هذه واقع مرير لأجيال مشوهة
    فكم من أب نناصحة في ابنائة فنصطلي بغضبه وانزعاجه
    وكم من طفل يفقد قدرته على احترام والدية لكثرة الضغط والتسلط
    صدمني احد اقربائب وهو يسب والده (في غيابه طبعاً)
    جلست معه الاطفه بأنك درة قلب والدك ولا يقابل الحبيب إلا بالمحبة والإحترام
    فنظر إلى الطفل محدقاً والدمع لصيق بعينية متلفظاً : بـ
    طز فيه ..يغور..لما اكبر بضربه..كله صياح وضرب ..طفشني
    ومن ثم أخذ يبكي ويبكي
    أبكاني
    أخذته بلين النصح والتصبير
    فقال : يا ريت أني أموت وأرتاح
    آلمني هذا الطفل بشدة
    عجزت معه فاضطررت أن أغير الموضوع بمزاحي الثقيل
    و مضت الأيام وكبر الغلام
    قابلته في البلاد(القريه)
    فوجدت الأب هوهو مع بعض حزن وندم على تكسر علاقته مع إبنه
    فهو لا يدري سبب نفور إبنه منه؟!
    بل يدري ولكنه عاجز لا يقوى على التغيير
    فهو نتاج بيئته إن صح التعبير
    ومع هذا يبقى هنالك أمل في غد مليء بالتراحم
    فبلطف الله لم ينحرف الطفل كثيراً
    ففي ذاك القلب المتألم رحمة وحب خفي
    تظهره الأزمات
    هذه عينة متوسطة
    هنالك اناس فقدوا أبنائهم بظلمهم و تسلطهم اللا محدود

    لك مني محبة في الله

    • “فقد فقدوا ذواتهم واصبحوا كبرامج الكمبيوتر التي لا تخرج عن نطاق ما برمجت لأجله” اقتبست منك هذه الجملة ف والله انها في الصميم
      وعن قصة الفتى صديقي هذه نتيجة طبيعية لوالد متسلط لا يسمع إلا نفسه, يوبخ هذا ويشتم ذاك ظاناً أنه فوق الجميع, وشيء طبيعي أن يخرج الولد من يد والده, وهناك مثل شامي يقول” كلشي زاد عن حدو بيقلب ضدو” وهذا ما يحصل على مستوى الأسرة والمجتمع وغيرها من جوانب الحياة.

      كعادتك صديقي متميز في ردودك
      يسعدني وجودك
      تقبل مني تحية تقدير

  4. تدوينة رائعة .. تحرر القلم بعد غياب شجعني وألهمني ..
    هذا الطفل عندما يكبر لن يعيد الحروف المحذوفة من مخيلة والده بل سيزيد حروف الأبجدية حروفا وحروفا 🙂

    • بالطبع الدمعة التي سقطت من عين الطفل دليل على معرفته لكذب والده عليه واضطهاده له, واعتقد أن أول ما سيذكره هي الحروف التي أغفلها والده

      أهلا بك مجدداً صديقي
      نورت 🙂

    • اعتقد أن هذا الطفل سيعلم أبنائه جميع الأحرف وسيبجل الأحرف الأربعة التي حرمه منها والده

      شكرا لمرورك

أضف تعليق