لنكون بقربهم

مازالت تلك العيون البريئة المنكسرة , وتلك الإبتسامات التي غالباً ما كانت مصطنعة حيث تخفي ورائها بحراً من الحزن , تسكن مخيلتي وتأبى الخروج منها , حقيقةً شعرت أن لديهم عالمً آخر , وآفكارً أخرى , وأحلاما متواضعة قد تكون فُقدت عند بعضهم …

لا يريدون الكثير سوى قلبٍ حنون , يدٍ عطوفة, وابتسامة جميلة تنسيهم آلامهم , وتشغلهم شيئاً ما عن متاعب حياتهم..

أحدهم يفتقد إلى كلمة ” أمي ” أو ” أبي ” لأن أحد الوالدين أو كليهما ليسا موجودان في الحياة , وآخر يفتقد الكلمات نفسها لأن أمه أو أباه قد استغنوا عنه ؟!

لم أنسى ذلك الطفل الذي انهال عناقاً وتقبيلاً ليّ , كانت عيناه البريئتين الصغيرتين, تحكي كثيرا من الألم والمعاناة ,حقيقة شعرت وكأني أخاه أو والده المنتظر , كنت سعيداً عندما طال عناقه لي ّ , وحزيناً لأني ادركت مدى فقدانه للحنان والحب …

بعد افتراقي عن آولئك الأطفال اليتامى الذين يعيشون في دار للأيتام , أعتقد أني وجدت لنفسي أحد مفاتيح السعادة , بالطبع لست سعيداً لحالهم الذي كانوا عليه وإنما لتلك الإبتسامة التي ارتسمت على وجوههم البائسة , ولتلك القلوب التي باتت ولو لفترة قصيرة من الوقت تخفق سعادة ً وأمل وفرح ..

كنت اتسائل مع نفسي , أنه لا يوجد إنسان لا يرغب بالسعادة , أن يعيشها لحظة بلحظة , ينام وهو سعيد ويصحو كذلك ,

ولا شلك ان لكل منا مآربه الذي يجد فيه سعادته , فهناك من يجد السعادة في ماله , وآخر يجدها في جماله أو علمه أو منصبٍ رفيع أو أو أو ….. , ولو بحث كل شخص عن السعادة فسوف يجد كل منهم سعادته التي تختلف عن الآخرين .

ولكن هل حاولنا أن نجد سعادتنا في الآخرين ؟ أن نستطيع رسم إبتسامة خفيفة مليئة بالحب والحنان على وجوه جعلتها قسوة الحياة تشيخ باكراً ,وكم ستمنحنا السعادة من كنزها عندما نُسعد قلوب يكتنفها الظلام ؟ عندما نمنحهم بصيص أمل يبنون منه جسراً للعبور فوق بحيرة اليأس التي ترافق أحلاهم , ان ندرك مشاعرهم , نقترب منهم , نسعى لسعادتهم لكي نسعد بأنفسنا

على الهامش ” أود ان اشكر أصدقائي الذين كان لهم الدور الكبير في إسعاد قلوب آولئك الاطفال , وأتمنى من الله أن يجزيهم خير ما ساهموا به “

ومن الجهل ما قتل !

لا يستطيع أن يلعب مع رفاقه ِ بالحارة , فهو منبوذ ٌ من الجميع , ليس لأنه قبيح , أو لأنه فقير وأولاد حارته ِ أغنياء , أو ربما لأنه معاق وإعاقته تمنعه ُ من اللعب مع رفاقه , بل فقط  لأنه ” زاني ” ؟؟

في مدرسته يخشى أن يصدر عنه أي تصرفٍ خطأ , فلا يتكلم ولا يلبس ثوب الولدنة الذي يرتديه  كل الأطفال في صغرهم , ليس لأنه مُتعقل وعقلهُ يكبُّر عقلَ رفاقه , ولا لأنه مَلاكٌّ لا تصدر عنه الأخطاء , بل لا يفعل ذلك فقط لأنه  زاني ؟؟

أصبح يكره والدهُ كُرهَ المُبصِر للعمى , فمع كل يوم جديد كتبه الله له يزدادُ خجلا بنفسه أمام الناس , أمام أولاد صفه ِ وأقربائه , فتذوب شخصيته  شيئا ً فشيئاً في نيران تخلف والده الذي جعل ابنه محتَقِراً لنفسه وللعالم اجمع , فوالده هو المسؤول عن تلك الكراهية المتخفية داخل ولده لكل ما يراه  أو ما يصادفه  فقط لأن ذلك الطفل هو ” زاني ” !

لم أكن يوماً أتوقع وأصدق  أن مستوى التخلف في مجتمعنا سيدفع والدْ أن يسمي طفله في أحد أرياف دمشق  بإسم كأسم ” زاني ” فقد فَهِم الطفل صاحب هذا الاسم  معنى كلمة ” زاني ” في مرحلة ينبغي أن يتعلم  فيها ما معنى الصدق والمحبة وغيرها من  الأمور الحسنة, لا أن يتعلم  ما ذا تعني كلمة   ” زاني ”   , عندما سمعت هذه القصة من أشخاص قريبين من ذلك الطفل , كثيرا ما شككت أنهم يلفظون الاسم بشكل خاطئ , لعله راني أو داني أو رامي , وفي كل مرة اطلب فيها إعادة لفظ الاسم يقولون , اسمه زاني زاني  , بالزاي  وليس بالراء …

ولا شك أن الفضول في مثل هذه الحالات  يدفعك لأن تعرف أكثر عن حقيقة الأمر , فسألت ما سبب تسمية الوالد لطفله بهذا الاسم ؟؟

فعلمت  أن والدة الطفل عندما حمَلتْ به لم يكن والد الطفل  موافقاً على الإنجاب بعدْ , ولكن للأسف أن الطفل مضى على وجوده في جوف أمه أكثر  من أربعين يوما ً ولم تكن علامات الحمل بعد قد ظهرت في جسد الأم ما يعني انه لا يجوز للمرأة بعد هذه الفترة أن تجهض طفلها , وأصرت الأم على بقاء الطفل في بطنها , ما دفع الرجل مرات عديدة إلى تهديد زوجته أنها إذا أصرت على الإنجاب فسوف يسمي المولود زاني إذا كان طفلا أو زانية إذا كان المولود فتاة , وبالفعل فجهله القاتل  دفعه لأن يسمي ابنه بهذا الاسم !!

فالطفل الآن الذي ما زال في صف الثاني  الابتدائي هو مدمر دمارً شاملاً بعواطفه وكيانه وشخصيته , وبكرهه للعالم الذي يحيط به نتيجة ذلك الاسم  , وما يزيد الأسى أسىً هو وجود أصحاب النفوس الضعيفة , الذين  يعلمون أطفالهم بالابتعاد عنه فقط لأن اسمه زاني وهو ابعد ما يكون عن حقيقة اسمه الذي جعل ذلك الطفل ضحية لجهل والده , ما جعلني أتألم أكثر , هو أن هناك بعض الأولاد الذين يشتمونه إذا ما انتفض في بعض الأحيان غضباً عليهم , فيقولون له ” زان ٍ ابن زانٍ ” واعذروني لهذه العبارة إذا ذكرتها ولكن هكذا يقال !!

ومازلت اسأل نفسي كيف لهذا الطفل أن يكمل حياته , أي فتاة عندما يكبر ستقبل به زوجا ً وأباً لأولادها  ؟

كيف لأولاد هذا الطفل إذا تمكن من الزواج عندما يكبر , أن يقولوا أبانا اسمه ” زاني “؟

بالله عليكم اي أب ذاك الذي يسمي ابنه بأسم كهذا الاسم ” زاني “؟؟

وفي النهاية لابد من القول أن للأطفال على آبائهن حق في اختيار أسماء ٍ تليق بهم , ليعتزوا بها لا ليتدمروا بسببها

دعوني أعيش ….

ضاقت بها الدنيا , لم تعد تجد متنفساً لها , قررت أن لا  تقضي يومها هذا  ببيتها ,بقرب أهلها أو حتى أصدقائها , فضلت أن تخلوْ بنفسها بلا صديق ولا قريب,لقد اشتاقت الى ذلك الشاطئ العذب المُحببِ إلى قلبها ,حيث وجدت فيه الصديق الوحيد القادر على الإصغاءِ لها والتعاطف معها .

وصلت إلى  مقعدها الخشبي الذي كانت  تتلاشى  عند مسانده ما بقي في أمواج البحر من قوة, لتذهب تلك الموجة وتختفي بلا عودة  , أخذت أنفاسها بعمق , وبدأ ت الرياح تحرك شعرها ميمنة وميسرة فتدلت بعضُ الخصالِ من  شعرها على وجهها لتُخفي شيئا من حسنه وجماله .

ومع هدير صوت  الأمواج, كانت قد أطلقت العنان لأفكارها , وأعادت بذاكرتها سنة من الماضي  الذي يأبى أن يخرج من حياتها وفكرها , ماضٍ  جعل منها كما كان يرى البعض , بأنها انقص من غيرها , حيث أصبحت  مقصدا ً لمجالس أناس لا يهمهم سوى رمي الآخرين بسهام  ألسِنتِهم , لكن في هذه المرة أصرت على أن تخوض رحلتها بنفسها إلى ماضيها بدلاً من أن يلقي الماضي بنفسه وثقله على كاهل  تفكيرها رغماً عنها , لتُثبت َ على الأقل لنفسها أنها صاحبة حق وأنها هي من ظُلم وليست من ظَلم , وأن كل ما يقال بحقها هو كلام حقدٍ وشماتةٍ وكراهية .

فقد مضى عليها الآن سنة, وهي مطلقةٌ من زوجها , كانت قد  نسيت جمال الشاطئ من حولها وربما نسيت أين كانت  جالسة , لأن عالمها بل وحتى أفكارها قد تحولت إلى مشاهد كانت تكفي لأن تشعرها بأنها لم تُخطئ قرارها في ترك زوجها ,فتذكرت تلك الليالي التي تحولت فيها عيناها إلى بحر ٍ من الدموع  بعد ضربٍ وشتمٍ, وكلام, هشم كرامتها , وهتك بعزة نفسها , ولم تنسى أيضاً كيف كان زوجها يسعى لجعلها رمزا للسخرية أمام الآخرين وكأنها دمية  صُمِمَت لأن تُضحِكَ غيرها , ولم تنسى تلك الليلة ايضا  …., ولم تنسى ذلك اليوم , … ولم تنسى كيف ان, ولم تنسى, ولم تسنى,ولم تنسى ….

اعتقدت المسكينة انها اذا تخلصت من  زوجها الذي هو مصدر عذابها , ستنتهي آلامها ولو بعد حين , وستبدأ بصفحةٍ جديدةٍ  من حياتها تعيد رسم سطورها بحكمة وإتقان , لكنها لم تعي أن هناك أسهمٌ  تترقبها , ستجعلها تعاني أكثر من مما عانته سابقاً, لم تعي بأنها أصبحت مرمى أناس لا يفقهون شيء  في  الحياة سوى رمي الآخرين بحجارتهم من نوافذهم البلورية  .

وبدأ كل شخص ناقص, من  قريب وبعيد , وحتى من بعض الذين يزعمون أنهم أصدقاء  بدؤوا برسم الشكوك حولها وخلق الأقاويل كلٌ على هواه , ولسوء ِ حظها , فهي تعيش في مجتمع لا يهمه سوى النتائج,  ناسيا أو متناسيا الأسباب , ولو كلف نفسه و فكر قليلا بالأسباب لقال البعض  ” خانت زوجها ” لذلك حل بها هذا , وآخر يقول سمعت انها” لم تكن بالزوجة المثالية” , وهناك من اللئيمات الشامتات من  تقول افتراضاً ” لعلها مازالت تراهق وهي الآن تحب رجلاً غير زوجها فأنا اعرف هذه الفتاة جيداً فهي تستحق ما حل بها  ” بالطبع فمثل آولئك كيف لهم أن يعرفوا ماحل بتلك الفتاة  من قهر وحزن وظلم .

فكم هو معيبٌ وظالم ٌميزان  مجتمعنا الذي ما زال متطرفاً في نظرته إلى الذكورية , وما اظلم ميزانه الذي يجعل خطيئة الرجل واحدة وخطيئة المرأة بألف , فلو قيل بأن فلان طلق زوجته لقيل له ما عليك ,فالدنيا مليئة بالفتيات  وبإمكانك أن تتزوج مجدداً وغداً إن شئت ولا تصاب سمعته بلا أدنى خدشٍ , وأما إذا تطلقت  المرأة فتنفتح عليها جبهات  من الملامة  والحساب , لتصبح عند الكثيرين أمرأة فقدت الكثير مما تملكه ,وعليها  قبل أن  تفكر في أن تقول أريد الزواج ثانية  أن تفكر ألف مرة , ولو تملكت الجرأة وطالبت بحقها في الزواج ثانية لكان عليها أن تقبل بالتنازلات لزوجها الجديد , كبعض الأهالي الذين يزوجون بناتهن المطلقات لرجال يكبرنهن بخمسة عشر سنة ,” ولو فكرت تلك الفتاة المسكينة بأن تقول لا على أمر مصيري كهذا لأغلق فمها بلجام من كلام قاس يُكره عليها حياتها”… , لماذا هل لأنها اصبحت مطلقة ؟

فأي حياة ستحيا بعدها بعض الفتيات المظلومات  حقاً في بيت أزواجهن , ويخطأ من يعتقد أن الطلاق يجر العيب والخزي , فالطلاق هو  حق أعطاه الله  إلى كل فتاة مظلومة, وإلى كل زوجين لم يستطيعا الانسجام فيما بينها كحال الكثير من حالات الزواج, قلو تصورنا أن بعض النساء يظلمن ويعذبن وليس بيدهن مخرجً من عذابهن فماذا سيحل بهن؟

وبعد أن أشرفت رحلة تلك الفتاة المسكينة من ماضيها المؤلم على الإنتهاء …

اعادت تلك الدمعة التي انسابت على خد تلك الفتاة,وعيًها وإحساسها بموجات البحر التي اتخذت عند أقدمها مكانا لموتها وتلاشيها,  وهمت بمغادرة المكان مع سؤالٍ, لا ادري لمن كانت تسأله,هل لنفسها, أم للبحر الهائج ,أم للعالم المحيط بها أم لمجتمعها وكل من لاموها, وإن كان صوتها لا يسمع إلا أُذنها,و مشت متمتمةً قائلة بأي ذنب أحاسب هكذا ؟.

لم أكن اقصد من ما كتبته بأن النساءَ هن وحدهن المظلومات في كل حادثة طلاق , ولم اقصد أن الدنيا شُحت من الرجال الطيبين , ولكن ما قصدته هو أن نرحم آهل البلاء , فهم لا يحتاجون لتعاطفنا معهم بقدر ما يحتاجون إلى أن لا نرميهم بلهبٍ من حصادِ ألسنتنا , وعلينا أن نسعى لإصلاح أنفسنا قبل أن نفكر في إصلاح الآخرين .