قمّ يا أبو القاسم

لم أكن يوماً أعشق البكاء وأشعر بنشوة الدموع, كتلك اللحظات القليلة التي عشقتها, سمعتها, شاهدتها, تغينت بها وحفرتها في ذاكرتي وشرايين قلبي, لحظات حملت معها نبأَ سقوط نظام حسني مبارك, معلنة تداعي ديكتاتورية عمرها ثلاثين عاماً, عنوانها ” ظلم وقهر وفساد, كبتٌ للحريات, نصرة للظالم وظلمٍ للمظلوم”, أما بطلها نظام فاسد على رأسه حسني مبارك, وعن نهايتها فكانت على أيدي شباب الثورة( فلاحين- عاملين- متعلمين- ومثقفين), صغاراً وكباراً, رجالاً ونساءً نادوا للقدر بصوت الإرادة فاستجاب لهم.
وبذهاب مبارك زال الوباء, وقال الشعب كلمته وعادت مصر أم الدنيا, فاستعادت مع ثورة تونس كرامة الإنسان العربي, وأبطلت كل الرهانات التي صورت شبابنا بأنه شباب الــ sms وشباب الفيديو كليب والأفلام الجنسية, وأرسلت رسائلها للجميع لتقول ” لا حليف خارجي ولا ظلم وتخويف داخلي يمكنه الوقوف أما تيار الإرادة الذي يهدم أعتاب كل من يقف في وجه إرادة الشعب أو يحاول لجم أصوات الحق.
ومازالت صور الثورة وشعاراتها تجول في دهاليز عقلي, وأروع الهتافات ما رفعه الشباب المصري ” الشعب يريد إسقاط النظام”, وازدادت جمالاً عندما أصبحت بعد رحيل مبارك ” الشعب خلاص أسقط النظام”, فكم أنت عظماء ياشباب الثورة, كم أنتم فخورين بأنفسكم يا أهالي الشهداء, فلا تحزنوا لأن أبنائكم أبطال الثورة, خطوا بدمائهم طريق التحرير, وبأرواحهم الطاهرة الشريفة أخرجوا مبارك مخلوعاً على مرئَ  العالم أجمع في مشهد لن ننساه يوماً.
أمنيتي الوحيدة في هذه اللحظة أن يحيى أبو القاسم الشابي من جديد ليبرهن بلسانه للعالم برمته أنه عندما قال شعره المشهور” إذا الشعب يوماً أراد الحياة, فلابد أن يستجيب القدر”, كان متأكداً بأن الشعب العربي شعب حيّ, يعشق العزة والكرامة , ويرفض الذل ويكره الظلم, قد يكبوا قليلاً لكنه في النهاية سيصحو ليقول كلمته وليعيش بكرامة الإنسان الحر العاشق للوطن.
مرة أخرى شكرا لمصر وتونس, شكراً لشباب الثورة, وليبارك الله دم الشهداء

اضف تعليقك


الكلمة العليا

تستمر رياح التغير تعصف بسماء الوطن العربي, نقطة البداية كانت في تونس والأن في مصر وربما يتجه التغير إلى سماء الجزائر واليمن ولا أحد يضمن الوجهة الجديدة لتلك الرياح, في تونس قُلبت عربة الشاب ” محمد البوعزيزي” فقبلت معها النظام المستبد, وقد بدأ يقول البعض على سبيل النكتة ” أن النظام في تونس لو عَلِمَ  بأن عربة البوعزيزي ستفعل ما فعلته لكان اشترى تلك العربة بمليارات الدولارات” , ولكن لا كلام ولا مال ولا ثروة  بل ولاقوة أمام قوة وكلمة الشعب, أمام رفض الظلم, رفض القهر, رفض الذل وعيش البهائم, انتفضَ الشعب وردَّ الظلم وعلَّم الظالم أن قوة الشعب تفوق قوة الهراوات,  والعيش الكريم يستأهل بذل الغالي والرخيص, فكان أن خرج الظالم وبقي الشعب المنتصر, وإن كان سقوط الشهداء بالمئات لأمرّ محزن ولكن للحرية ضريبة, وللشعور بالإنسانية ثمن هي الأرواح .

كل شريف في الوطن العربي وكل حر في العالم أجمع؛ رفعَ قبعة الاحترام والإجلال والإكبار لشعب التونس وشهدائه رجاله ونسائه, واليوم ترتفع القبعات مرة أخرى لشعب مصر الصامد, لشعب أم الدنيا, معلناً أن لا مكان لنظام مبارك بين شعب أراد الحياة وتشهد الأيام الحالية و بالتالي المقبلة أن القدر سيستجيب لتلك الإرادة مهما كلف غالياً, وما بين ثورة تونس وثورة مصر عِبَر ودروس كان أجدر بنظام مبارك أن يفهمها جيداً ويعي معناها لكي لا يتعرض لنفس سيناريو نظام ” بن علي”,  فهناك الكثير من الصور المتشابهة التي ترسم واقع الحال لدى كل من الشعبين المصري والتونسي, فهم يعانون الفقر والظلم والبطالة وكبت للحريات وتفضيل فئة على أخرى واحتكار للسلطة وغيرها, إلا أن حكومة زين العابدين فهمت ما أراد الشعب فقررت التنحي والخروج وهي تجر ورائها ذيول الخزي والعار, وعلى ما يبدو أن حكومة مبارك أو بالأحرى مبارك بالدرجة الأولى قد فهم رسالة الشعب ولكنه قرر التعنت والتمسك بالسلطة رافعاً شعار  ” أنا ومن بعدي الطوفان”  ولم يستطع أن يتخلى عن عقله وتفكيره العسكري ويتعامل مع مطالب الشارع بما يعكس تصرف رئيس يخشى على بلده ويهمه حقن دماء أبناءه, فما يفعله مبارك هو التالي :

يأمر بانسحاب للجيش وللشرطة من الشوارع, و”البلطجية” على حد وصف المصرين يجوبون شوارع المدن وهم مدفوعون من قبل الدولة ليعيثوا فساداً في كل مكان استمر في القراءة